دولة المرابطين ، الدكتور احمدو اماده
رمضان ٢٠٢٠
دولة المرابطين
الدكتور احمدو اماده
تقديم :
هي دولة إسلامية ظهرت خلال القرنين الخامس والسادس الهجري في منطقة المغرب الإسلامي، انبثقت عن حركة دعوية إصلاحية اعتمدت على عصبية قبلية تعززت بالتحام مجموعة قبائل كبيرة شكلت قوة عسكرية واقتصادية بسبب سيطرتها على الطرق التجارية بالإضافة إلى الروح والخلفية الإسلامية المعتمدة على اعتقاد مالكي سني اختارت لها اسم دولة الرباط والإصلاح.
استطاعت الدولة الحديثة بسط سيطرتها على رقعة جغرافية معتبرة تمتد من المحيط الاطلسي والاندلس غربا إلى بلاد شنقيط وحوض نهر السنغال جنوبا لتصل شرقا لتحاذي بحيرة اتشاد.
استمرت دولة المرابطين زهاء قرن من 1043 إلى 1147 ميلادي تتالت فيها الانتصارات والفتوحات وازدهرت وتطورت الحياة الاقتصادية وكثرت الأموال والغنائم.
1 – النشأة :
عند ظهور المرابطين كان المغرب الأقصى يخضع لحكم دويلات أو تجمعات قبلية في الجنوب من أهمها صنهاجة وجدالة ولمتونه وكان اسم المتون يطلق على قبيلة لمتونه ومن حالفهم، والذين حاول أحد زعمائهم وهو بيولوتان ين تيكلان اللمتوني محاربة القبائل الوثنية والدفاع عن الإسلام وقيمه ونشره بين هذه القبائل.
افترق بعد تلك الفترة لمتون واستمر شتاتهم وتفرقت مجموعاتهم واحتاجوا إلى الدعم الديني والروحي وأدى هذا الوضع إلى ظهور محاولات لإعادة اللحمة والمطالبة بتغيير الواقع لتستعيد هذه المجموعات قوتها ومكانتها الشيء الذي أدى الى تحالف جديد بين قبائل صنهاجة تحت زعامة أبي عبد الله محمد بن تيفاوت المعروف بتارشنا اللمتوني الذي اشتهر بالصلاح والذب عن الإسلام والمسلمين في تلك الربوع. إلا أنه لم يعمر طويلا فتوفي بعد ثلاث سنوات من تولي الزعامة وكان مقتله على يد مقاتلي مملكة " غانا" فخلفه صهره يحي ابن ابراهيم لما انتقلت الزعامة إلى القائد يحي بن ابراهيم خرج من دياره متوجها إلى الجزيرة العربية لأداء فريضة الحج مخلفا ابنه ابراهيم على رأس السلطة سنة (427هـ) 1035م وبعد أداء مناسك الحج انطلق للعودة إلى بلاده فتنقل بين المدارس الفقهية للاستزادة من العلم حتى وصل إلى القيروان حيث التقى بالإمام "أبي عمران الفاسي"
وبعثه الى تلميذ له كان يعيش بالمغرب الأقصى يعرف بوجاح بن زلو اللمطي وهو شريف من الأدارسة ليوفد معه أحد تلامذته فاختيار الشيخ وجاج تلميذا له يدعى عبد الله بن ياسين ، وبعد الوصول أقاما رباطا بلغ عدد الدارسين فيه عددا كبيرة واستمر ينشر الدين والقيم والأخلاق بين السكان حتى نشب خلاف بينهم وثاروا عليه وهدموا منزله وأخذوا منه بيت المال وطردوه وخرج متسترا خائفا وهم بالعودة إلى رباط شيخه وجاج اللمطي إلا أن بعض من بقوا معه ومنهم يحي بن ابراهيم الذي جاء به أقنعوه بالعدول عن ذلك والانزواء مع الثلة التي بقيت معهم ممن يرغب في التعلم وكان عدد الطلاب والملتحقين بالشيخ يزداد حتى اجتمع معه أكثر من ألف رجل فحولوا ملجأهم إلى رباط بدأت فيه بوادر تأسيس وتنظيم حركة دعوية تتوجه إلى القبائل لدعوتهم للالتحاق بالرباط.
2 – إعلان الدعوة و التأسيس :
كان الرباط الذي أقامه عبد الله بن ياسين قريبا من نهر السنغال محاذيا لمملكة غانا للاستفادة من البيئة الجهادية التي تمتاز بها آنذاك وليس كدالك بالبعيد من ديار الملثمين الذين يشكلون بالنسبة له القاعدة الخلفية في حالة الخطر.
عمل الشيخ على تحكيم شرع الله في هذا المجتمع الجديد وأهتم اهتماما بالغا بالعلماء والفقهاء وشجعهم على الالتفاف حوله حتى يساعدونه على تربية المجتمع وتعليمهم وتحضيرهم لما هو قادم.
وبذلك تحول الرباط المنشأ حديثا إلى منارة علمية في تلك الصحراء أصبحت القوافل تجعل منه ممرا لضمان الأمن وأصبح مركزا تجاريا ناجحا، وقد تميز الرباط بالادارة والتنظيم ينطلق من مجلس شورى وجماعة للحل والعقد حتى غدا مرجعية عليا للملثمين وبادر الشيخ ابن ياسين بإرسال موفديه إلى القبائل لدعوتهم والتي استجابت منها مجموعات توسعت بها الحركة وشكلت دعما معتبرا لهذه الحركة، ثم أعلن الجهاد على المجموعات التي لم تستجب بعد أن باشر دعوتهم.
بعد أن رأى بن ياسين أنه جهز الجيش والعدة واستكمل التدريب تحرك بالمرابطين أولا صوب قبيلة جدالة فاشتبك معهم وهزموهم وانقاد من تبقى منهم لدعوة المرابطين ثم سار إلى قبيلة لمتونه فقاتلهم وانتصر عليهم ودخلوا تحت لواء المرابطين ثم مضى بعد دالك إلى قبيلة مسوفه التي خضعت هي الأخرى لطاعة الجيش. فعندما شهدت القبائل الأخرى هذه الأحداث سارعت إلى مبايعة الشيخ عبد الله بن ياسين وكان كلما انتصر على مجموعة ترك فيها أحد تلامذته يعلمهم القرآن والدين.
توفي الأمير يحي بن ابراهيم في إحدى الغزوات المرابطية فقدم ابن ياسين مكانه للأمارة يحيى بن عمر اللمتوني بعد أن اعتذر جوهر الجدالى زعيم جداله بعد يحيى المتوفى..
بعد ذلك صوب المرابطين أعينهم الى قبائل صنهاجة والصحراء وإلى مملكة غانا الغربية واضعين أمامهم هدف وهو استرجاع اوداغوست التي كانت تسيطر عليها صنهاجة، فتوجهوا إلى النيجر في سنة 447هـ /1056م وخاضوا معركة قاسية استشهد خلالها يحيى بن عمر وانتصر المرابطون واستولوا على أوداغوست وتوسعوا جنوبا في بلاد غانا حتى وصلوا بلاد التكرور الذين احيوا التحالف مع المرابطين وبذلك فتحوا الكثير من بلاد السودان الغربية فذاع صيت المراطين في أرجاء الصحراء بسبب نشرهم لتعاليم الاسلام والأخلاق الحميدة ونبذهم للفساد كما ازدادت أموال بيت مال المسلمين وازداد عدد المرابطين وتوسعت الدولة.
كما أن المرابطون وبطلب من كبير فقهاء سجلماسة ودرعة وجاج بن زلو اللمطي الذي هو من ارسل تلميذه الشيخ عبد الله بن ياسين للدعوة فى الصحراء توجهوا لمؤازرتهم في التخلص من حكام زناتة المغراويين الظالمين.
جهزوا الجيش والعتاد وكان ذلك في الثلث الأول من سنة 445هـ / 1054م فوصلوا إلى درعة وتشابكوا مع جيش المغراويين الذي هزم أبشع هزيمة وقتل قائدهم مسعود بن واتدين وبذلك خضعت سجلماسة للمرابطين وعين عليها قائدا و عاد الشيخ عبدالل بن ياسين وجزء من جيشه إلى الصحراء الكبرى.
بعد وفاة الأمير يحيى بن عمر عين عبد الله بن ياسين أخاه أبي بكر بن عمر مكانه وهو الذي كان قائد الجيش في فتح بلاد سوس وفي احدى معاركها تدعى الواحات بزغ نجم قائد شاب هو يوسف بن تاشفين الذي كان قائد مقدمة جيش المرابطين المهاجم و بعدها عين واليا على مدينة سجلماسة فأظهر مهارة إدارية كبيرة وغزا منها بلاد جزوله وفتح ماسة ثم تارودانت وهي قاعدة بلاد سوس وحل مذهب أهل السنة والجماعة محل طوائف شيعية . اتجه المرابطون إلى مدينة اغمات وحاصروها حتى اضطر أميرها إلى الفرار سنة 1057م وأقاموا بها شهرين وعين عليها يوسف بن تاشفين ثم توجه جيش المرابطون إلى سرغواطة واشتبكوا مع بقايا من جيوش المغراوة في معارك عديدة أصيب فيها القائد عبد الله بن ياسين بجروح نقل إلى معسكر المرابطين في اغمات والتي فارق فيه الحياة، وبعد استشهاد القائد اتفق المرابطون على اختيار أبي بكر بن عمر اميرا لهم فقرر إنشاء عاصمة للدولة ووقع اختياره على مدينة مراكش الحالية حيث استتب له الأمر واخضع أغلب قبائل المنطقة للمرابطين ودخلت الإسلام فتوجه الأمير أبي بكر بن عمر إلى المغرب الأقصى بجيوشه فاستقبلهم القائد يوسف بحفاوة عظيمة، وجمع أبو بكر بن عمر سنة 1070م / 463هـ علماء وفقهاء وشيوخ المرابطين وأعلن تخليه عن الزعامة وتنصيب القائد يوسف بن تاشفين قائدا مكانه لما يتمتع به من تدين وشجاعة وعدل والتزام وأوصاه: " يا يوسف أني قد وليتك هذا الأمر وإني مسؤول عنه فأتق الله في المسلمين واعتقني واعتق نفسك من النار ولا تضيع من أمر رعيتك شيئا فإنك مسؤول عنهم والله تعالى يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك ".
توجه يوسف شمالا لمواجهة الزناتيين واستفاد من الخلافات بين قادة البلاد واستطاع أن يدخل فاس دون قتال سنة 455هـ وتمكن في حدود 458 هـ من فتح البلاد الواقعة بين الريف وطنجة وقضى بذلك على شوكة الزناتيين وتفرغ للتوجه إلى باقي بلاد المغرب الأقصى حيث كانت سنة 467هـ /1074م فاصلة في تاريخ الدولة المرابطية سيطر خلالها على جميع بلاد المغرب الأقصى الشمالية باستثناء سبته وامليله.
كما قام المرابطون بحملة 1071 إلى 1075 إلى المغرب الأوسط ففتحوا بلاد بني تيزناس ثم تلمسان ووهران والجزائر العاصمة وبنى فيها الجامع الكبير ووصل حدود مملكة بيجايه ثم عاد إلى مراكش سنة 475هـ /1081م
وفي عام 476 هـ/ 1083م قام الأمير يوسف بتجهيز جيش بقيادة أبنه المعز لفتح سبتة فحاصرها ودارت معركة معهم وخضعت سنة 1084م للمرابطين..
استنجد أهل الاندلس بالمرابطين في حدود عام 479هـ /1086 من خلال المراسلات والوفود من مختلف الأقاليم وبعد أن استتب الوضع في بلاد المغرب قررالامير يوسف العبور إلى الاندلس فبدأ الجيش العبور إلى الاندلس بعبور أول قائد هو دواود بن عائشة الذي تمركز في الجزيرة الخضراء وتتابعت كتائب المرابطين العبور وكان ركب القائد أخر العابرين الذي توجه إلى بطليوس ثم اشبيلية التي وجه منها رسائل إلى ملوك الطوائف يدعوهم للجهاد.
فواصل الأمير حتى سهل الزلاقة الذي كان مسرحا لمعركة شهيرة سنة 479هـ /1086م انتهت بنصر المرابطين .
لكن الأوضاع سرعان ما تدهورت بين ملوك الطوائف ورجعت الأحوال إلى سابق عهدها وأضطر الأمير الى العودة ثانية للأندلس سنة 481هـ /1088م وتبنى فكرة عزل ملوك الطوائف .
لقد زار الامير يوسف الاندلس أربع مرات كان آخرها سنة 490هـ/1096م لترتيب الأمور والاشراف على قتال أهل قشتاله، فأرسل جيشا بقيادة محمد بن الحاج اشتبك معهم وهزمهم و دخل المرابطون اشبيلية للمرة الثانية معيدين فتحها وبعدها توجه الأمير يوسف إلى فرطبة ليبايع أهلها ابنه علي بن يوسف وعاد الأمير إلى مراكش التي توفي بها فاتح محرم 500هـ /1106.
بعد رحيل الأمير يوسف بايع المرابطون على بن يوسف خلفا لأبيه فتوجه في سنته الأولى إلى الاندلس وعين أخاه أبي الظاهر تميم ابن يوسف قائدا أعلى لكل جيوش المرابطين بالاندلس وكانت سرقسطة آخر دولة من ممالك الطوائف تدخل طاعة المرابطين أواخر سنة 503هـ /1110م
وفي هده الفترة استرجع المرابطون عدة مناطق منها لشبونه ويابره وشنتره ، كما فتحوا قلمرية بجيش كبير بعد حصارها، كما خطط قادة الجيش المرابطي في 508هـ /1114 بالشرق الاندلسي للهجوم على الكونتيات الكاتلوكية المنتشرة من برشلون ولكنهم هوجموا في طريق العودة وتكبدوا خسائرا كبيرة في سرقسطة وبذلك تمكن جيش اراغون من دخولها واستولى عليها في ستة من ر مضا
ن 514هـ /1120م وكانت هذه بداية سقوط دولة المرابطين في الاندلس.
امتدت دولة المرابطين لفترة قرن من الزمن وتعاقب عليها عدة قواد هم
اسم القائد الفتره
يحي بن ابراهيم 1042م -1043م
عبد الله بن عامر 1043م – 1055م
ابوبكر بن عامر 1055م – 1071م
يوسف بن تاشفين 1071م – 1106م
على بن يوسف بن تاشفين 1106م – 1143م
تاشفين بن على بن يزسف 1143م – 1145م
إبراهيم بن تاشفين بن على 1145م – 1145م
اسحق بن على 1145 – 1147م
-3 سياسة المرابطين:
اعتمد المرابطون نظام إداري هو إمارة المسلمين الذي يعتمد على اختيار الأمير وفق فقه الشورى ويعتبر أمير المسلمين هو القائد الأعلى للجيش. يعين على المدن ولاة خاضعون لسلطته يتولون المهام العسكرية والإدارية ويتم اختيارهم على أساس علمهم ومكانتهم ، كما يعين القضاة.
أما القضاء فإن المرابطين كانوا يهتمون كثيرا بشؤون القضاء ومن أكبر قضاء دولة المرابطين ابن حمدين وابن رشد الجد، وابن الحاج القرطبي الاندلسي.
-4العلاقات الخارجية:
-الدوله العباسية
إن أول اتصال حدث مع العباسيين كان بعد معركة الزلاقة واستيلاء يوسف بن تاشفين على الاندلس لكن الاتصال خارج الإطار الرسمي حدث قبل ذلك حيث كانت النقود المرابطية الأولى كالدنانير السجلماسية دليلا تاريخيا واعتبار ضمني للخليفة العباسي لاحتوائها على اسم الخليفة العباسي والأمير المرابطي الذي ظل حتى نهاية عهد الأمير يوسف يحمل لقب أمير المغرب الاقصى.
-5أسباب سقوط دولة المرابطين
بعد أن توسعت الدولة المرابطية واحتلت أجزاء كبيرة من أراضي الاندلس وكثرت الأموال وازدهرت البلاد ظهرت أجيال جديدة من المرابطين اهتمت بشؤون الحياة وملذاتها والانغماس فيها والاهتمام بالترف الفكري والمادي على حساب الورع والعفة في تدبير شؤون الناس، فتتالت الهزائم على جيوش المرابطين في الاندلس وظهرت دعوات وحركات تطالب بالإصلاح، فبدأت الدولة وعدم الاحتشام والفجور
كما ادى انحباس المطر لسنوات عديدة عن الدولة المرابطية إلى حلول الجفاف والقحط ونفوق الكثير من الحيوانات، الشيء الذي أدى إلى أزمة اقتصادية حادة عمت البلاد ومعها انتشرت الأوبئة والأمراض وعم الجوع.
فنظم الصليبيون حملة عسكرية ضد المسلمين في هذه الفترة من التراجع والضعف وهزموهم في عدة معارك واستولوا على الكثير من المدن الاندلسية وغنموا الكثير من الأموال.
كما أن الهجمات والمعارك التي كان يقوم بها الموحدون على المستوى الداخلي كانت هي الأخرى قد عجلت بزوال هذه الدولة.
والله ولي التوقيف
🌴🌴🌴🌴🌴
تعقيبا على ورقة الدكتور أحمدو اماده عن دولة المرابطين من النشوء الى السقوط ،
الاستاذ بودرباله اباه
بدا بملخص او بطاقة تعريف لدولة المرابطين التي قامت في القرنين الخامس و السادس الهجريين كدولة سنية بسطت نفوذها على رقعة شاسعة .. ثم قسم البحث الى خمس محاور ، تناول في المحورين الاول و الثاني نشاة الدولة و إعلان تأسيسها فعاد الى الوراء قليلا ليمهد للرحلة الشهيرة التي قام بها الامير يحي بن ابراهيم لكدالي ( على خلاف في لمتونيته ) الى الحج و ما اعقبها من اصطحاب الداعية المعلم عبد الله بن ياسين و تاسيس الرباط ( على اختلاف في سبب التسمية ) في جزيرة تيدره ( على خلاف في الموقع ) و انطلاق الحملة العسكرية التي وحدت صنهاجة تحت راية الإسلام المتمكن هذه،المرة من النفوس فاستردوا عاصمتهم القديمة من مملكة غانه لتبدأ بوادر دولة المرابطين تتكشف لتخرج للعلن حين قرر القائد الروحي ابن ياسين و القائد العسكري الجديد ابوبكر بن عمر ، الذي خلف أخاه يحي الشهيد كسابقه المؤسس يحي بن ابراهيم ، أن يستجيبوا لدعوات علماء السوس لتدخل جيوش المرابطين الى حواضر الجنوب ( تارودانت سجلماسه.. ) و تنطلق دون توقف حتى توحد جميع اصقاع المغرب الإسلامي .. و كما استجابت لأهل المغرب لتخليصهم من الظلم استجابت لاهل الأندلس لنجدتهم ضد الغزو الصليبي بقيادة ملك قشتالة و التحالف الصليبي الذين اوقع بهم ابرز و اعظم امراء الدولة يوسف بن تاشفين في معركة الزلاقة التي أمدت في عمر الإسلام في الأندلس قرنين من الزمن ..
وفي المحور الثالث تطرق الى سياسة المرابطين حول نظام الحكم و الإدارة و القضاء ليعقبه بعلاقاتهم الخارجية بالدولة العباسية مختمما بالمحور الأخير عن اسباب سقوط دولة المرابطين حيث لم تعمر أكثر من قرن من الزمن و هو امر مفاجئ نظرا لسرعة صعودها و قوتها و اتساعها و متانة الاساس الذي بنيت عليه ..؟
لقد وضعنا الباحث امام صورة شاملة لتاريخ هذه الدولة التي نشات و ترعرعت على ربوع موريتانيا لتنطلق الى الشمال لتؤسس عاصمتها مراكش و تتسع شرقا الى ليبيا و غربا الى الثغر الاعلى ( سرقسطة ) ، إلا أنها انفصلت عن بلد المنشأ بعد عودة الامير ابي بكر بن عمر بنصف الجيش لتأسيس ما يعرف بدولة المرابطين في الصحراء و التي لم تتشكل كدولة مع ان لها شبه عاصمة في آزوكي حيث القاضي المرابطي الحضرمي و تعاقب عليها اثنان من احفاد ابي بكر بعد إصابته و استشهاده في " مكسم تكانت " و هو يقاتل الوثنيين ...و يحلو للبعض ان يتساءل لماذا نجح يوسف في إقامة دولة في مراكش التي أسسها أبوبكر بن عمر و لم يوفق ابوبكر في إقامة دولة في أرض الملثمين التي انطلق منها المرابطون ؟!
رغم تشعب الحديث عن الدول عادة و اتساعه و كثرة الزوايا و المداخل و تعذر الإحاطة أعتقد ان الورقة غطت اجزاء مهمة و اضاءت جوانب تعطي صورة عامة عن دولة المرابطين .. و إذا كان لي ان اضيف فساثير نقاطا مختلفة لعلها تثري او تعمق ما نشرته الورقة او اشارت اليه :
1 - هناك ثلاث قرون قبل دولة المرابطين منذ وصل الاسلام الى هذه الصحراء عبر طريقين :
- الحملات العسكرية و التي و ان كانت بدات مع فاتح افريقية ( تونس ) عقبة بن نافع ( ستينات القرن الاول الهجري ) و من عقبه إلا أنها بلغت اوجها في المغرب الاقصى مع عبد الرحمن بن حبيب ( عشرينات القرن الثاني ) الذي اخضع صحراء الملثمين و انشأ سلسلة من الآبار تربط واحات افريقية و أوداغوست بصحراء المغرب الأقصى ..
- القوافل التجارية خصوصا بعد فتح الأندلس و توحيد كلمة البربر ( الامازيغ ) الذين شاركوا في الفتح ، و الظاهر ان قبائل صنهاجة ( الحميرية الاصل ) اصبحوا جزء من اامغرب الإسلامي و قاعدة لتوين الجيش بالسلاح ( اللمط ) و الطعام ..إلا أن هذا الاتحاد و الاستقرار الذي تمتع به المغرب و الاندلس لم يعمر طويلا .. فبعد سقوط دولة بني امية انقسم المغرب الاسلامي الى مجموعة من الكيانات المستقلة عن ااخلافة العباسية مثل : الدولة الرستمية الاباضية في تاهرت ( الجزائر ) و دولة بني مدرار الاباضية في سجلماسة ( السوس - المغرب ) و دولة الأدارسة في المغرب ( فاس ) و التي اقام لها العباسبون دولة الأغالبة في تونس للقضاء عليها ، و في الأندلس اقام عبد الرحمن الداخل دولة بني امية الثانية ...ثم جاء الفاطميون ( العبيديون ) فقضوا على كل دويلات المغرب الإسلامي و وحدوه تحت رايتهم و زحفوا شرقا الى مصر ..ليعلن زيري بن مناد الاستقلال عنهم بتونس ( القيروان ) و إقامة دولة آل زيري لينتفض البقية و يحتد الصراع ..و كان ذلك تمهيدا لسرعة اجتياخ المرابطين و القضاء على كل تلك الدويلات كما سيفعلون بملوك الطوائف في الاندلس و الذين يعيشون ظرفية مشابهة ل٥كنها اخطر لترصد الممالك النصرانية المتحفزة لما يسمونه حرب الاسترداد ...
2 - يسهب المؤرخون في إبراز دور زينب النفزاوية التي خلف عليها يوسف بن تاشفين بعد سفر ابي بكر بن عمر عائدا الى الصحراء من اجل إخماد الفتن ، و عند عودته الى العاصمة الاولى " اغمات " اشارت زينب على يوسف بان لا يترجل و ان يتمسك بالسلطة و ان يجهز قافلة عظيمة ..ففعل وفهم ابوبكر الرسالة فاوصاه و اخذ القافلة و عاد الى الصحراء ..
3 - دولة المرابطين اسسها العلماء على اعلى مراتب التدين و التقوى و كما قال ابن الخطيب : لم ينقطع الجهاد فيها خمسين عاما .. و وصفهم القاضي ابن العربي بانهم قاموا بدعوة الحق و نصرة الدين و كانت دولتهم اكثر الدول جريا على السنة و لو لم يكن لهم من فضل و لا خير إلا وقعة الزلاقة لكان ذلك من اعظم فخرهم و اربح تجرهم...
4 - يمكن كتابة الكثير عن اسباب السقوط المبكر لدولة المرابطين إلا انه تجنبا للتطويل نكتفي بما اشار إليه الباحث مؤكدين على تراخي إخر أمرائها و عدم أخذه على يد المهدي بن تومرت الذي أثار الناس بما غرس في نفوسهم من تبديع اامرابطين و تضليلهم و دعوته للثورة باسم الكتاب و السنة .. فتساهلوا معه حتى استفحل امره و انضم اليه الرجل الخطير عبد المؤمن بن علي المؤسس الفعلي لدولة الموحدين التي ورثت دولة المرابطين في المغرب الإسلامي و الأندلس ....
🌴🌴🌴🌴🌴
المرابطون : الغزو من الجنوب .
يحيى احمدو
تاسست دولة المرابطون في تيدره وهي جزيرة صغيرة قريبة جدا من اكاندير احمد بزيد وذلك بعد طرد البدو للفقيه عبد الله بن ياسين الذي جاء به الامير يحيى بن ابراهيم ليعلمهم الدين واخلاق الاسلام ، يقول الدكتور سامي النشار محقق كتاب السياسة في تدبير الامارة لابي بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرامي :"وشدد الفقيه عبد الله بن ياسين في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فنافروه وهجروه ثم تآمروا عليه مع بعض كبرائهم واتهموه بالتناقض في احكامه فعزلوه عن الراي والمشورة وقطعوا عنه مالهم ، وانتهبوا داره وهدموها واخذوا ماكان فيها .
خرج عبد الله من داره خائفا يترقب الى اين يذهب ؟
...فجاءه يحيى بن ابراهيم وقال له : ...إن هاهنا في بلادنا جزيرة في البحر ، اذا انحسر البحر دخلنا فيها على اقدامنا ، و إذا امتلا دخلنا لها في الزوارق ، وفيها الحلال المحض الذي لا شك فيه من اشجار البرية وصيد البحر واصناف الطير والوحش والحوت فندخل فيها فنعيش فيها بالحلال ونعبد الله حتى نموت ."
وتتوفر هذا المواصفات فعلا في جزرية تيدره التي صنفت منطقة تراث عالمي يمنع فيها استعمال الزوارق ذات المحركات لاعتبارها ملجا عالميا للطيور النادرة .
قامت هذه التجربة الرائعة على هذه الربوع وكانت اول تجربة ينطلق فيها الاسلام السني الصحيح من الجنوب نحو الشمال حيث انتشرت البدع والفساد والظلم في تلك الفترة التي استنجد فيها علماء سجلماسة في وسط الاطلس وفاس ووادي درعة بالحنوب فكانت نداءات استغاثة تلقاها ابن ياسين القادم من تلك المنطقة فقد درس سبع سنوات في الاندلس وشاهد ضعف حكامها واستكانتهم ومر بحواضر المغرب فلاحظ بام عينه كيف يُسيم الحكام الشعب الضعيف الظلم وكيف انتشر الفساد وبالتالي لبى بسرعة وكان بمثابة المنقذ.
استمرت دولة المرابطين قرنا كاملا تركوا خلاله بصمات خالدة نذكر منها:
1- كان الملثمون المنطلقين من شواطئ تيدرة جنوب انواذيبو اول من وحّد هذه المنطقة تحت اسم المغرب الاسلامي الممتد من شمال فاس حتى تونس وغرب النيجر ونهر السنغال مرورا بالجزائر شرقا .
٢- تمكن المرابطين من السيطرة على الاندلس واستمرار سيطرة العرب عليها اربعة قرون اخرى وقد كانت معركة الزلاقة الحاسمة عاملا مباشرا في ذلك.
٣- ترك المرابطون آثارا خالدة وذلك ببناء المدن منها مزال قائما كمراكش ومنها ما بقيت آثاره مثل آزوكي عاصمة الجنوب التي مازالت اثارها قائمة وبها ضريح الامام الحضرمي المفتي والعالم الذي رافق بوبكر بن عامر بعد وفاة عبد الله بن ياسين .
ملاحظة :
تعتبر دولة المرابطين اهم تجربة منظمة خلال التاريخ الاسلامي في هذه المنطقة عموما وللاسف فقد مورس عليه نوع غريب من التجاهل والطمس الممنهج من الكتاب سواء منهم اهل المشرق او اهل "المغرب" وذلك بالاضافة الى امور اخرى بسبب لعنة الاطراف .
فمن الغريب ان الباحث اليوم لا يجد دراسات ولا اي شيى سوى نُتف هنا وهناك عن حياة هذا الفقيه العالم رجل الدولة عبد الله بن ياسين الذي اسس هذه الدولة وجاهد فيها ومع ذلك رفض ان يكون قائدا لها فكان في كل مرة يُعين قائدا ويفضل البقاء في صفوف الدعاة المجاهدين وكانت وصيته لبوبكر بن عامر هي التي حالت دون تفكك الدولة عندما قرر يوسف بن تاشفين خلع الامير ابوبكر بن عامر الذي تنازل له مستحضرا وصية ابن ياسين له بعدم التنازع على القيادة.
أحسنتم في تناول موضوع مهم كان له تأثير على كامل المنطقة و ما زالت تأثيرات المرابطين قائمة حتى اليوم خصوصا في موريتانيا حيث عاد المرابطون من حيث بدؤوا بعد سقوط دولتهم و كونوا إمارات في الساحل و آدرار و تكانت الى ان قضى عليها العرب الحسانيون ما عدى إمارة إدوعيش التي كان لها الدور الأبرز في مقاومة الإستعمار ...
ردحذفشكرا للرئيس على المنهجية و الإختصار حيث قدم لمحة شاملة أضاءت الخريطة المكانية و الزمانية و السلالية للمرابطين ..
و شكرا لامدير على التعقيب القيم الذي فصل في بعض الجوانب و أثار بعض الإشكاليات المرتبطة بتناول التاريخ بانتقائية و قلة إنصاف وربما تلعب السياسة دورا سلبيا في التاثير على الباحثين و توجيههم و هو امر قديم عانى منه التاريخ منذ الطبري الى ابن خلدون .. و ما زالت كتابة تاريخ المنطقة العربية تخضع للرقابة و التابوهات و مازلت بقايا الصراعات تلقي بظلالها على الحاضر ، و ليس ما تشهده الساحة الوطنية من تلاسن و كتابات بين الزوايا ( المرابطين ) و حسان إلا من تلك الإفرازات التي تحول دون كتابة التاريخ بعلمية و تجرد و ما يقال هنا ينطبق على بقية الدول العربية بشكل او بآخر ...