إمارة آدرار
كانت السيطرة في منطقة آدرار لقبيلة (إديشلي) وهي المنطقة الممتدة من تگانت جنوبا إلى مداخل تيرس شمالا ومن إينشيري غربا إلى تخوم أزواد شرقا.
وظلت لهم السيطرة في المنطقة ، وظلوا يخوضون الحروب ضد القبائل التي أرادت ملك آدرار والاستيلاء عليه.
يقول الباحث الفرنسي بيير بونت في كتابه (إمارة آدرار):"إن إديشلي في آدرار مثل إدوعيش في تگانت يعبرون عن دوام الحضور اللمتوني"
ويقول بيير بونت : "وكان إديشلي يبدون في هذه الفترة (ق 16-17) أصحاب هيمنة سياسية قبلية في آدرار الغربي.
ومع اشتداد شوكة بني حسان ظل حلم السيطرة على آدرار يراودهم.
وأول الحروب التي دارت رحاها بين إديشلي أحفاد لمتونة وقبائل بني حسان ، جرت بين إديشلي وأولاد بله عند دخول قبائل بني حسان منطقة آدرار في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
ومن المحتمل أن يكون أولاد دليم ولبرابيش هم أول من نزل على أطراف آدرار دون الاستقرار داخل الهضبة التي كان يسيطر عليها إديشلي.
ويرى "بيير بونت" أن أول من دخل آدرار من المغافرة هم أولاد امبارك فقد تحدث عن نزاعات بين إديشلي وأولاد امبارك ، وهم من أوائل المجموعات المغفرية التي احتكت بسكان آدرار في القرن السابع عشر فإلى " هذا القرن تعود النزاعات الأولى بين أولاد امبارك وإديشلي." ويضيف بونت أن البراكنة "ربما كانوا وقفوا إلى جانب أولاد امبارك ضد إديشلي مع نهاية القرن السابع عشر."
وخاض إيديشلي حروبا ضد البراكنة ، وضد أولاد يحي بن عثمان ، وضد أولاد بو لحية.
وفي سنة 1689م جهز لمغافرة جيشا جرارا لإخضاع آدرار وكسر شوكة إديشلي ، بقيادة لبراكنة وتحالف أولاد يحي بن عثمان وهم أولاد الجعفرية ضد إديشلي .
وبدأت تلك الحرب بمعركة يوم (تجالّه) سنة (1100 هـ - 1680) وانتهت باستتباب الأمر لتحالف أولاد يحيَ بن عثمان بن مغفر بن أدي بن حسان ، وقيام إمارة آدرار.
ويضم تحالف أبناء يحي بن عثمان قبائل شتى منها أولاد عمني وأولاد غيلان وأولاد آكشار بالإضافة إلى الطرشان ولعويسيات وفرع اولاد بوليحية الآدراري.
وتعد مجموعة أولاد غيلان من أهم المجموعات الحسانية في الإمارة من حيث العدد والتأثير وتنصيب وخلع الأمراء.
وكانت زعامة أولاد أحي من عثمان في أهل اگراف ولد عمني ولد آكشار ولد آگمتار ولد غيلان ولد يحيى بن عثمان.
وكان من أهم قوادهم حمو بن گراف، الذي حكم في ملتقى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وساعد في حروب إديشلي الداخلية.
ثم عبد الرحمن بن حمو الذي كان مستبدا فثار عليه ابن عمه عثمان بن لفظيل بن شنان بن بوبه بن عمني فدارت بينهما حروب طاحنة طالت مدتها وأدت إلى انتصار عثمان بن لفظيل واستيلائه على الإمارة سنة 1745م بمساعدة أخواله لبراكنه.
بعد وفاة عثمان استولى أخوه لگرع بن لفظيل على الإمارة ، لأن سيد أحمد بن عثمان كان ما يزال صغيرا، لكن فترته لم تطل فما إن راهق سيد أحمد حتى بدأ الحرب ضده بمساندة بعض أبناء عمومته وجمهور أولاد غيلان، فدارت الحرب بينهما وانتهت بمقتل لگرع 1785 م.
وحكم سيد أحمد بن عثمان بن لفظيل بعد مقتل عمه لگرع إلى حدود 1826م ودارت في فترته صراعات مع أولاد غيلان.
وبعد وفاة سيد أحمد تولى الإمارة ابنه أحمد المعروف بـ (ولدعيدَه) ، و أمه من لعويسيات و(عيدَه) اسم مرضعته من التوابير.
ويروى أن زوجة أبيه وهي بركنية نادته يوما على وجه السخرية "ابن عيده" فأوجب أن لا يناديَه أحد بعدها إلا بذلك الاسم.
كان أحمد العيده شجاعا راجح العقل، دارت حرب بينه وأخاه من أبيه المختار بن سيد أحمد فهزمه، كما دارت حروب طويلة بينه وأولاد ادليم ووقعت الحرب الشهيرة بينه والترارزة.
توفي أحمد العيده سنة 1861، تولى بعده امحمد بن أحمد بن عيده بوصية من أبيه لكنه لم يمكث في الإمارة إلا أياما قلائل حيث قتله أخواه عثمان ومحمد.
ثم تولى الإمارة عثمان بن أحمد بن عيده ، ودارت الحرب بينه وشيعة أخيه المقتول امحمد فلجأ إلى قبائل الساحل (أولاد ادليم والرگيبات) واستنجد بهم في غزو آدرار حتى أضعف شيعة أخيه فرضخوا له، لكنه لم يلبث طويلا في الحكم فاغتيل على يد الطرش من أولاد غيلان سنة 1863م.
وتأمر بعده أخوه محمد ولد أحمد العيده ، إلا أن قبائل الساحل غزت آدرار في فترته فشتتوا الناس ووقعت الذريرة والمجاعة ولم يعد آدرار آمنا ، حتى قُتل الأمير محمد على يد أولاد غيلان، فاستولى عمه المختار على ما تبقى من آثار الإمارة ، إلا أن الأمير بكار بن اسويد أحمد هجم على حلته فقتله وولى مكانه ابن أخته أحمد بن امحمد بن أحمد العيده سنة 1871م.
وكان أحمد بن امحمد دينا عادلا فاجتمع أهل آدرار حوله وعاد الأمن إلى آدرار في أيامه، وهو الذي يقول فيه العالم والأديب الكبير محمد عبد الرحمن بن المبارك بن اليمين الگناني:
مِنْ عَافِيتْ أحْمَلّ امْحَمَّدْ :: وِلْ أحْمدْ مَا يَگبظْ لِغـْـيَارْ
حَدْ الْ حَدْ ولا يَعْطِ حَدْ :: الْ حَدْ اتـْـلَ مَاهِ لَخْـبَارْ
لكن الصراعات في آدرار عادت من جديد فتحاربت طوائف أولاد غيلان وخرج بعضها على طاعة الأمير ولجأ إلى الترارزه حيث نظم هجماته على إمارة آدرار، كما عاد خطر أهل الساحل(أولاد ادليم أساسا) إلى الواجهة.
ثم وقعت صراعات بين بعض إديشلي فأحس بعضهم بانحياز الأمير ضده فتربصوا به حتى اغتالوه على مشارف تگانت، وقيل إنه لما حضرته الموت استدعى ابن عمه أحمد بن سيد احمد فقال له: أوصيك بثلاث:
أن لا تترك دمي يبرد ، وأن لا تحمل ضغينة على إديشلي ، وأن لا تبعد أولاد غيلان عن سياسة إمارتك.
فقال له: "موت انت ولا غديلك".
لما تولى أحمد بن سيد أحمد الإمارة نهض لحرب إدوعيش لأنه رآهم متمالئين مع إديشلي على قتل ابن عمه فوقعت بينه وبينهم أيام منها يوم آرزاگ ويوم الطرطيگه ، وكانت أياما شديدة على إدوعيش.
وفي يوم الطرطيگه شاعت شائعة أن إدوعيش يريدون الإستيلاء على خيل الإمارة لسرعتها وجودتها فلما انهزموا قال لحزام بن معيوف الآكشاري العمني ساخرا:
آن گالولولِ عن عثمان :: امحولِ يسبتْ هولِ
بفْرص عند احيَ من عثمان :: وابحولِ بكار امحولِ
وكتن يامس رين فرسان :: حظرُ للفتنَ گالولِ
عن ما حان لفرص عثمان :: ولا حانَ بكار الحولِ
لكن إدوعيش استعادوا قوتهم بدعم إديشلي الذين قام الأمير بمجزرة في حقهم عقابا لهم على قتل سلفه، فهزموا الإمارة في يوم فرع الكتان فقال أديبهم ردا على الحزام:
گول الْ لحزام ولا فخرَ ::عنِّ ريتْ البيه امحولِ
ريتُ هو يوم الحصرَ :: ماشِ بززال امجولِ
ريت العود افبل المهرَ :: واسيساخ افبل الحولِ
ثم اشتدت الصراعات من جديد في آدرار فوقعت الحرب بين الإمارة وأولاد غيلان واستمرت حتى وفاة الأمير إثر سقوط داره عليه في كنوال سنة 1898م.
ثم تولى الإمارة المختار بن أحمد بن عيده بمبادرو من الجعفرية دون موافقة أولاد غيلان كان متساهلا فشهد آدرار في عهده أوضاعا أمنية متردية وزاد الطين بلة جودة تسلح قبائل الساحل التي اتخذت من آدرار مسرحا لصراعاتها ونهبها الممنهج.
تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثام
الأميرالشهيد سيد أحمد ولد أحمد العيده
في عام 1317 هـ - 1899 م ، سقطت الدار على أحمد بن سيد أحمد العيده والد الأمير سيد أحمد وعمره إذ ذاك تسع سنوات، فقد ولد سيد أحمد سنة 1306هـ - 1889 م ، فتربى عند الشيخ ماء العينين فاغتبق بأدبيات الجهاد وغادى صبوحه وليدا.
وحين جاءت مجموعة من أولاد غيلان في وفادة على الشيخ ماء العينين نهاية سنة 1904 نصحهم باصطحاب الفتى سيدي أحمد بن أحمد بن سيدي أحمد وتنصيبه أميرا على آدرار.
فعملوا بنصيحته وعزلوا المختار (الداه) الذي رحل مغاضبا جنوبا والتقى الشيخ سعد بوه في النمجاط والتقى ذات سانحة بكبولاني في بتلميت وزاره في تجگجة وكان بها غداة قتله فقتل بقتل كبولاني حلم الأمير المغاضب في العودة إلى السلطة .
تولى سيد أحمد الإمارة وعمره خمسة عشر عاما فكان عاشر أمراء أهل عثمان بن الفظيل في فترة تمر فيها إمارة آدرار بحالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
فأنشأ تحالفات قوية داخل الإمارة وارتفع شأنه وأحبه أهل آدرار.
وقاد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في معارك: تجگجة و آمساگ وأماطيل وحمدون واكصير الطرشان و ودان.
وقاتل الأمير سيد أحمد في جيوش كبيرة من المقاومين الحملة الفرنسية التي قادها العقيد گورو والتي انتهت بدخول الفرنسيين أطار في 9 يناير 1909 م.
ثم انتقل بعد احتلال آدرار إلى الحوض وظل يشن حرب عصابات خاطفة تستهدف الحاميات العسكرية، وتضرب طرق تموين المراكز الفرنسية..
وفي 21 يناير 1912 م جُرح الأمير سيدي أحمد في معركة تيشيت الضارية ضد الفرنسيين بقيادة الحاكم العقيد باتي (Patey)، وأخذ سيدي أحمد أسيرا إلى سان لويس "اندر".
وفي أكتوبر 1913 م وبرغبة من أولاد غيلان أعاد الفرنسيون سيدي أحمد إلى المنتبذ القصي مع إرجاع لقب الأمير إليه ووقعوا معه اتفاقية أعطوه بموجبها صلاحيات واسعة وخصصوا له ميزانية إدارية تقدر بعشرة أطنان من التمر ومنحوه حق اكتتاب رجال الأمن وتنصيب القضاة.
وفي سنة 1918 م اتهم الفرنسيون الأمير بإقامة الصلات مع المقاومة في الشمال فاستدعوه إلى اندر وفرضوا عليه إقامة جبرية استمرت سنتين.
وعندما عاد إلى آدرار سنة 1920 م وجد أن الوضع قد تغير ولاحظ أن صلاحياته السابقة لم يبق لها أثر فاستأنف المقاومة وابتعد بحلتة نحو سهول مقطير مطلع سنة 1932 م.
وتابعت الحلة سيرها شمالا فيما يعرف بـ " الهجرة " .وبعد مناوشات جهزت السلطات الفرنسية كتبية لحقت بالأمير قرب وديان الخروب فاستشهد صبيحة 19 مارس 1932.
ونصب الفرنسيون مكانه ابن عمه أحمد ولد المختار العيده المعروف بـ (أحمد ولد الداه) الذي ولد في تجكجة عام 1908 وهو أطول حاكم لإمارة آدرار حيث استمر حكمه أزيد من خمسين سنة.
من استشهاد الأمير سيد أحمد حتى وفاته هو 1985.
تعليقات
إرسال تعليق